بقلم :مناد بالا - أمازيغوولد
يعلن العديد من أعداء الأمازيغية بدون أي سند علمي لإيديولوجية الكراهية و رفض الأخر التي تركن ذواتهم و ضرورة القضاء على الأمازيغية بالمغرب ،و الدافع الذي يجعل هؤلاء للإعلان عن عداوتهم لشعب يعدون هم من أبنائه، لكن لسوء الحظ من أبنائه العاصين و الذين أعمى عيونهم الاستلاب إلى درجة أنهم يحاربون أمهم الأمازيغية و يدعون إلى النيل منها و القضاء عليها ،هو أن (البربرية) على حد تعبيرهم تسعى إلى تدمير الوحدة الوطنية و العربية أي أن الأمازيغية لا تحمل في طياتها دوما إلا التفرقة و تشتيت الأمة. لكن و انطلاقا من مجموعة من التجارب التاريخية
التي عاشتها بلدان و شعوب فيما مضى و التي لا يمكننا الدخول في غمار مناقشة هذا الموضوع من دون التطرق لها و الاستشهاد بها بحكم أن التجربة هي دراسة مختبرية لأي نظرية أو فكرة تنمو و تتكون فقط على مستوى التصورات الذهنية بحيث أنه بالتجربة يمكن التأكد من إمكانية أو استحالة تطبيقها على أرض الواقع و إخراجها إلى العالم الخارجي الملموس لاتبات مدى صحتها،إذن فهل اللغة الواحدة و الدين الواحد يحققان الوحدة السياسية و الانسجام الاجتماعي؟
عندما يثار موضوع الأمازيغية في المغرب يثار معه و بشكل أوتوماتيكي موضوع "الوحدة السياسية و القومية" الذي يعتبر السلاح الوحيد لمواجهة كل من يناضل على الأمازيغية و اتبات أن الأمازيغية لن تخدم الوطن بقدر ما ستعمل على تخريبه.و يستدل أصحاب هذه التحليلات بأن اللغة الواحدة و الدين الواحد هما الضامنان للوحدة الوطنية و السياسية و الدينية،و ذلك أن اللغة العربية "هي لغة القران و لغة الدولة بحكم الدستور و لغة الحضارة الإسلامية و لغة الوحدة الوطنية" ،حيت أن الاعتراف الدستوري بالأمازيغية كلغة وطنية و رسمية للمغرب سيشوش على الوحدة الوطنية و يرمي بالشعب المغربي آنذاك في أثون التجزئة و التعادي و الانشقاق.
و لكن هل بحوزة هؤلاء المعادون للأمازيغية و الرافضون لها ما يبرر هذه التحليلات السوسيوسياسية غير الأفكار الإيديولوجية الجاهزة و الرامية أساسا إلى الحفاظ على لغة أهل المشرق و هويتهم في الدستور و فرضها على جميع المغاربة؟هل لديهم من وقائع و تجارب تاريخية تدل على أن الوحدة السياسية و الدينية ناتجة أساسا عن الوحدة اللغوية في بلد ما من بلدان العالم؟ هل لديهم تحليل سياسي و اجتماعي موضوعي يمكنهم من البرهنة على أن اللغة الواحدة تحقق الوحدة و الانسجام في مجتمع ما؟
1-اللغة الواحدة و الوحدة السياسية
الوحدة اللغوية كمفهوم معاصر، جديد في حياتنا السياسية حيت وصل مع وصول الاستعمار الفرنسي إلى شمال إفريقيا .و هذا المفهوم الجديد الفرنسي الأصل للوحدة يربط بالضرورة بين اللغة الواحدة و الوحدة السياسية من أجل فرز هوية موحِّدة على على أرض واقع يتميز بالتنوع و الاختلاف.إذن فمفهوم "الوحدة اللغوية" مفهوم إفرنجي امبريالي بامتياز،إذ نشأت هذه الأفكار في أدمغة عملاء فرنسا من البورجوازية المغربية (العائلات الموريسكية الفاسية) منذ فجر الاستقلال حيت أدخلوا مفهوم "اللغة الواحدة" في حياتنا السياسية بالرغم من أن التاريخ المغربي العريق كان دائما يتسم بالتعدد اللغوي و الثقافي ،و بذلك تعتبر فرنسا الامبريالية ممن ساهموا في حرمان اللغة الأمازيغية من حقوقها اللغوية و الثقافية المشروعة خلافا لما يدعي البعض أن فرنسا تقف بجانب الأمازيغيين من أجل الحصول على هذه الحقوق مقابل الحصول على هذه الحقوق مقابل الحفاظ على مصالحها السياسية و الاقتصادية المتمثلة في تبعية المغرب لها. لإبطال هذه الادعاءات يكفينا الغوص في تاريخ الحركة الوطنية و نتذكر ولاءها للاستعمار الفرنسي و وفائها في خدمته، و لعل معاهدة "أيكس ليبان" خير دليل على وضع هذه الحركة الموريسكية استقلال المغرب في سوق المساومات في الوقت الذي كان فيه جيش التحرير و المقاومة المسلحة في أعالي الجبال حاملين السلاح في وجه المستعمر و معرضين حياتهم للموت لا لسيء إلا من أجل انتزاع استقلال هذا الوطن الجريح من بين يدي المستعمر الامبريالي.
فالواقع السياسي و الاجتماعي في بلدان كثيرة في العالم اليوم يوحي إلى أن الوحدة اللغوية و إن تحققت على أرض الواقع ،في بلد ما حيت يتم تهميش و إقصاء و إبادة اللغات و الثقافات الأخرى بالقوة ،فإنها ليست دائما عاملا يضمن الوحدة السياسية. و لعل الحرب الأهلية اللبنانية لسنة 1975 مثل حي و معاصر،فاللغة العربية هي لغة الأغلبية الساحقة من الشعب اللبناني و رغم ذلك فان الحرب اندلعت بين اللبنانيين و مزقت المجتمع اللبناني لمدة طويلة ،و الحرب الأهلية هو قتال داخلي منظم ذو أهداف سياسية محددة و يسعى للسيطرة على الحكم أو فصل جزء من الدولة أو الهيمنة عليه.و يمكن للحرب الأهلية أن تتخذ شكلا دينيا أو مذهبيا أو عرقيا أو سياسيا (كما هو الحال في حرب لبنان) أو غير ذلك .كما أن معرفة المسيحيين اللبنانيين للغة العربية منذ الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي لم تؤدي بهم بعد إلى اعتناق الإسلام إلى يومنا هذا.هناك مثال ثاني هو الحرب السياسية المستمرة بين حركتي "فتح" و "حماس" رغم أن قياديي الحركتين كلهم عرب و دينهم واحد ،الإسلام،لكن وحدة اللغة و الدين لم تحقق الوحدة السياسية لدى الفلسطينيين ،الشعب الذي يصنع منه إعلام الدول العربية و المستعربة (دول شمال إفريقيا) بطلا في أعين شعوبها ،بحيث أن "الإعلام يصنع الأصنام و يعمل على أساعة عبادتها" على حد تعبير السوسيولوجي المغربي "عبد الرحيم العطري".
أما الوحدة اللغوية إن تحققت في بلد ما ،فان ذلك واقع على تحسبات اللغات الأخرى و على حساب مواطنين أخرين حرموا من حقوقهم اللغوية و الثقافية في بلدهم و لا يمكن بالبتة أن نسمي حكما قام بإقصاء و تصفية اللغات الأخرى بحكم ديمقراطي بالمعنى المعاصر للكلمة.و يبرهن هذا على أن اللغة الواحدة لم و لن تكون ركيزة أساسية ،بشهادة التاريخ ،من أجل تحقيق الوحدة السياسية و الانسجام الاجتماعي.
2-الدين الواحد هل يحقق الوحدة السياسية؟
عندما تحرم الأغلبية من حقوقها الثقافية و اللغوية التي تعتبر في القرن الواحد و العشرين حقوقا بسيطة في جميع البلدان الديمقراطية ،فان الاحتجاجات ما تفتأ أن تظهر على أرض الواقع رغم أن الدين واحد في نفس البلد. فإذا ما تمعنا انظر في حالة المغرب ،هل يمكن أن نقول أن الرابطة الدينية هي أساس الوحدة بين المغاربة؟
يزعم المخزن المغربي أن الوحدة السياسية تتركز على الوحدة الدينية، و ذلك بالقول أن "الإسلام هو ما يجمعنا" ،و هذا ليس إلا واحدا من الشعارات المرفوعة لتبرير إصرار المخزن على استعمال الدين الإسلامي في المجال السياسي و الحفاظ على أسسه التقليدية و عرقلة السير المطلوب نحو الدمقرطة. و الحقيقة أنه ليس هناك ما هو أكتر خطأ من هذا الزعم الذي لا يصدقه إلا الذين لهم مآرب في استعمال الدين في المجال السياسي ،و التغطية على التناقضات الحقيقية و هضم حقوق الغير و الحفاظ على وضعية يطبعها غياب العدل و المساواة.
لقد بني هذا الزعم الكاذب ،كما يؤكد ذلك الأستاذ "أحمد عصيد" ،على "تأويل سياسي للتاريخ، قامت بموجبه الايدولوجيا الرسمية بناء على الفكر الانتقائي للحركة الوطنية بإخفاء الوقائع التي تدل على أن الصراع بين القبائل المغربية و المخزن المركزي لم تتوقف قط منذ بداية المرحلة الإسلامية من تاريخ المغرب، و أن المعارك الطاحنة و الصراعات الداخلية و العنف الدموي هو ما ميز العلاقات بين القبائل فيما بينها و كذا في علاقتها بالمخزن الذي قد تتقلص سلطته في بعض الأحيان لتشمل العاصمة و ما جاورها و لا غير، و ذلك بسبب الظلم و طغيان الحكام و فسادهم و استبدادهم بالناس. فكون الأمازيغ مسلمين لم يمنع قط من اقتتالهم و تفرقهم عبر التاريخ الطويل.المرابطيون و الموحدون كانوا مسلمين و دولهم كانت تيوقراطية ، لكن إسلامهم هذا لم يمنع من نشوب صراعات و حروب بينهما حول الحكم و خصوصا على المستوى الجغرافي ،مما يكذب الزعم بأن الإسلام كان عامل التوحيد الذي يجمع دائما بين المغاربة، و من ناحية العلاقة مع الأخر المسلم، فقد ظل العثمانيون على البوابة الشرقية يحاولون اقتحام المغرب لقرون طويلة، و كانوا مسلمين بل يمثلون الخلافة الإسلامية الجامعة للأمة، و كان المغاربة –على حد تعبير أحمد عصيد- يحاربونهم رغم وحدة الدين، و كان العامل الكامن وراء هذه المقاومة هو عامل الانتماء إلى الوطنية المغربية التي تتحدد قبل كل شيء بالأرض و ليس بالعقيدة أو اللون أو العرق.
بالإضافة إلى هذا لا ينبغي أن ننسى بأن العنصر اليهودي الذي هو أحد مكونات التركيبة السكانية للمغرب منذ 2500 سنة، كان عنصرا منسجما مع باقي المكونات رغم اختلاف الدين، كان اليهود يقومون بتمويل "الجهاد" ضد الأجانب من البرتغال و الأسبان، و كان الدافع إلى ذلك العامل الوطني و حماية بلادهم و ليس الدين الإسلامي.
إن أساس الوحدة الوطنية بين المغاربة هو انتمائهم إلى الأرض المغربية و إلى الشعور المشترك بالوطن، ف "الدين لله و الوطن للجميع"، و إن اختلفوا في الأديان و الأعراق و الألوان و اللغات، و لن يحافظوا على وحدتهم أبدا باستعمال دين أو عرق أو لغة، و إنما تتقوى الوحدة السياسية و التماسك الاجتماعي بالعدل و المساواة، فهما رمز الاستقرار و ليس أي دين من الأديان، و هذا ما لمسه العالم الأمازيغي "الحسن اليوسي" قبل ثلاثة قرون عندما كتب "إن العدل يدوم به الملك و لو مع الكفر".
بالإضافة إلى ما سبق، نجد اسبانيا كذلك مثالا، فبالرغم من أن الديمقراطية السياسية في اسبانيا لها تاريخ لا بأس به، و أن الدين واحد، إلا أن العائق اللغوي و انعدام الديمقراطية الثقافية ،الشيء الذي يحرم "الباسك" من استعمال لغتهم الأصلية في كثير من المجالات الاجتماعية و السياسية الوطنية –ذلك قبل إقرار النظام الاسباني الحكم الذاتي لمنطقة الباسك- فانه أذى إلى احتجاج عارم لا زالت اسبانيا تعاني من عواقبه السياسية.
فادين الواحد نفسه يمكن أن يكون موضع خلاف و تناحر و اقتتال كما وقع ذلك خلال القرن الأول الهجري بين المسلمين بالرغم من أن اللغة واحدة و وقع ذلك بين المسيحيين أيضا، إذ كان هناك من يدعو إلى ربوبية عيسى و كان من ينفي عنه تلك الصفة. و الدليل الأخر على ذلك هو الاقتتال الذي وقع بين مسلمي أفغانستان خلال السنوات الماضية حيت لم يكف الوازع الديني في إبعاد إراقة الدماء في البلد الواحد.
3- دور التعدد و الاختلاف و العلمانية في مجال التطور الاجتماعي
التعدد و الاختلاف في نطاق الحرية و الاحترام المتبادل هو أساس الحياة و العامل الأساسي للتقدم و التطور و الازدهار في كل المجالات بصفة عامة، سواء كانت هذه الحياة بيولوجية أو ثقافية أو لغوية أو فكرية أو سياسية أو غيرها، إذ لا ينتج التقدم و التطور و النماء إلا بالاحتكاك و المقابلة و المنافسة. إن الانزواء و التقوقع على النفس دينيا أو لغويا أو ثقافيا أو فكريا أو حضاريا أو سياسيا بدعوى تحقيق الوحدة و الانسجام المطلوب، بصفة عامة، إذ يحرم ذلك جزءا هاما من المواطنين من المساهمة المباشرة في التقدم الاجتماعي و الاقتصادي و الفكري تم الحضاري، نظرا لأن الوقت الكافي لاستيعاب كثير من المعطيات اللغوية و الثقافية لا يمكن أن يتأتى لجميع أفراد المجتمع تحقيقه على أرض الواقع. فبدلا من تضييع الوقت في تبديل هوية لغوية و ثقافية بأخرى يتم العمل و الإنتاج الفكري و الاقتصادي بلغة الأم التي هي اللغة الوحيدة الضامنة للانسجام النفسي و السيكولوجي و الهوياتي للفرد داخل المجتمع –كما يقول السوسيولوجي الفرنسي "ايميل دوركايم" في نفس السياق "لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور إلا بلغته الأم"- دون أن يؤدي به ذلك إلى حرمانه من تعلم اللغات و الثقافات الأخرى إذا تأتى له ذلك و لديه الوقت و القدرات الفكرية الكافية لتحقيقه.
غير أن مزايا التعدد لا يمكن أن يفهمها من لا يعرف التعدد في الواقع، في حياته الشخصية أو الاجتماعية و في بلده، الشيء الذي يدفعه بصفة عامة إلى البحت عن كل ما من شأنه أن يوقف سير المجتمع في الاتجاه الذي لا ينسجم مع تصوره الشخصي لهذا المجتمع.فالقوميون المعربون في المغرب مثلا لا يمكنهم أن يتقبلوا بسهولة التعدد اللغوي و الثقافي الذي يفرضه الواقع الاجتماعي و اللغوي بالمغرب لأن ذلك يشوش على واحديتهم و تقوقعهم على نفوسهم، و هذا التقوقع على النفس يعتبرونه الضامن الواحد لمصالح المجتمع و العامل الأساسي لتحقيق الوحدة اللغوية و الثقافة الرامية إلى تحقيق الوحدة السياسية حسب تصورهم "الوحدوي" للسياسة و للمجتمع.
يعلن العديد من أعداء الأمازيغية بدون أي سند علمي لإيديولوجية الكراهية و رفض الأخر التي تركن ذواتهم و ضرورة القضاء على الأمازيغية بالمغرب ،و الدافع الذي يجعل هؤلاء للإعلان عن عداوتهم لشعب يعدون هم من أبنائه، لكن لسوء الحظ من أبنائه العاصين و الذين أعمى عيونهم الاستلاب إلى درجة أنهم يحاربون أمهم الأمازيغية و يدعون إلى النيل منها و القضاء عليها ،هو أن (البربرية) على حد تعبيرهم تسعى إلى تدمير الوحدة الوطنية و العربية أي أن الأمازيغية لا تحمل في طياتها دوما إلا التفرقة و تشتيت الأمة. لكن و انطلاقا من مجموعة من التجارب التاريخية
التي عاشتها بلدان و شعوب فيما مضى و التي لا يمكننا الدخول في غمار مناقشة هذا الموضوع من دون التطرق لها و الاستشهاد بها بحكم أن التجربة هي دراسة مختبرية لأي نظرية أو فكرة تنمو و تتكون فقط على مستوى التصورات الذهنية بحيث أنه بالتجربة يمكن التأكد من إمكانية أو استحالة تطبيقها على أرض الواقع و إخراجها إلى العالم الخارجي الملموس لاتبات مدى صحتها،إذن فهل اللغة الواحدة و الدين الواحد يحققان الوحدة السياسية و الانسجام الاجتماعي؟
عندما يثار موضوع الأمازيغية في المغرب يثار معه و بشكل أوتوماتيكي موضوع "الوحدة السياسية و القومية" الذي يعتبر السلاح الوحيد لمواجهة كل من يناضل على الأمازيغية و اتبات أن الأمازيغية لن تخدم الوطن بقدر ما ستعمل على تخريبه.و يستدل أصحاب هذه التحليلات بأن اللغة الواحدة و الدين الواحد هما الضامنان للوحدة الوطنية و السياسية و الدينية،و ذلك أن اللغة العربية "هي لغة القران و لغة الدولة بحكم الدستور و لغة الحضارة الإسلامية و لغة الوحدة الوطنية" ،حيت أن الاعتراف الدستوري بالأمازيغية كلغة وطنية و رسمية للمغرب سيشوش على الوحدة الوطنية و يرمي بالشعب المغربي آنذاك في أثون التجزئة و التعادي و الانشقاق.
و لكن هل بحوزة هؤلاء المعادون للأمازيغية و الرافضون لها ما يبرر هذه التحليلات السوسيوسياسية غير الأفكار الإيديولوجية الجاهزة و الرامية أساسا إلى الحفاظ على لغة أهل المشرق و هويتهم في الدستور و فرضها على جميع المغاربة؟هل لديهم من وقائع و تجارب تاريخية تدل على أن الوحدة السياسية و الدينية ناتجة أساسا عن الوحدة اللغوية في بلد ما من بلدان العالم؟ هل لديهم تحليل سياسي و اجتماعي موضوعي يمكنهم من البرهنة على أن اللغة الواحدة تحقق الوحدة و الانسجام في مجتمع ما؟
1-اللغة الواحدة و الوحدة السياسية
الوحدة اللغوية كمفهوم معاصر، جديد في حياتنا السياسية حيت وصل مع وصول الاستعمار الفرنسي إلى شمال إفريقيا .و هذا المفهوم الجديد الفرنسي الأصل للوحدة يربط بالضرورة بين اللغة الواحدة و الوحدة السياسية من أجل فرز هوية موحِّدة على على أرض واقع يتميز بالتنوع و الاختلاف.إذن فمفهوم "الوحدة اللغوية" مفهوم إفرنجي امبريالي بامتياز،إذ نشأت هذه الأفكار في أدمغة عملاء فرنسا من البورجوازية المغربية (العائلات الموريسكية الفاسية) منذ فجر الاستقلال حيت أدخلوا مفهوم "اللغة الواحدة" في حياتنا السياسية بالرغم من أن التاريخ المغربي العريق كان دائما يتسم بالتعدد اللغوي و الثقافي ،و بذلك تعتبر فرنسا الامبريالية ممن ساهموا في حرمان اللغة الأمازيغية من حقوقها اللغوية و الثقافية المشروعة خلافا لما يدعي البعض أن فرنسا تقف بجانب الأمازيغيين من أجل الحصول على هذه الحقوق مقابل الحصول على هذه الحقوق مقابل الحفاظ على مصالحها السياسية و الاقتصادية المتمثلة في تبعية المغرب لها. لإبطال هذه الادعاءات يكفينا الغوص في تاريخ الحركة الوطنية و نتذكر ولاءها للاستعمار الفرنسي و وفائها في خدمته، و لعل معاهدة "أيكس ليبان" خير دليل على وضع هذه الحركة الموريسكية استقلال المغرب في سوق المساومات في الوقت الذي كان فيه جيش التحرير و المقاومة المسلحة في أعالي الجبال حاملين السلاح في وجه المستعمر و معرضين حياتهم للموت لا لسيء إلا من أجل انتزاع استقلال هذا الوطن الجريح من بين يدي المستعمر الامبريالي.
فالواقع السياسي و الاجتماعي في بلدان كثيرة في العالم اليوم يوحي إلى أن الوحدة اللغوية و إن تحققت على أرض الواقع ،في بلد ما حيت يتم تهميش و إقصاء و إبادة اللغات و الثقافات الأخرى بالقوة ،فإنها ليست دائما عاملا يضمن الوحدة السياسية. و لعل الحرب الأهلية اللبنانية لسنة 1975 مثل حي و معاصر،فاللغة العربية هي لغة الأغلبية الساحقة من الشعب اللبناني و رغم ذلك فان الحرب اندلعت بين اللبنانيين و مزقت المجتمع اللبناني لمدة طويلة ،و الحرب الأهلية هو قتال داخلي منظم ذو أهداف سياسية محددة و يسعى للسيطرة على الحكم أو فصل جزء من الدولة أو الهيمنة عليه.و يمكن للحرب الأهلية أن تتخذ شكلا دينيا أو مذهبيا أو عرقيا أو سياسيا (كما هو الحال في حرب لبنان) أو غير ذلك .كما أن معرفة المسيحيين اللبنانيين للغة العربية منذ الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي لم تؤدي بهم بعد إلى اعتناق الإسلام إلى يومنا هذا.هناك مثال ثاني هو الحرب السياسية المستمرة بين حركتي "فتح" و "حماس" رغم أن قياديي الحركتين كلهم عرب و دينهم واحد ،الإسلام،لكن وحدة اللغة و الدين لم تحقق الوحدة السياسية لدى الفلسطينيين ،الشعب الذي يصنع منه إعلام الدول العربية و المستعربة (دول شمال إفريقيا) بطلا في أعين شعوبها ،بحيث أن "الإعلام يصنع الأصنام و يعمل على أساعة عبادتها" على حد تعبير السوسيولوجي المغربي "عبد الرحيم العطري".
أما الوحدة اللغوية إن تحققت في بلد ما ،فان ذلك واقع على تحسبات اللغات الأخرى و على حساب مواطنين أخرين حرموا من حقوقهم اللغوية و الثقافية في بلدهم و لا يمكن بالبتة أن نسمي حكما قام بإقصاء و تصفية اللغات الأخرى بحكم ديمقراطي بالمعنى المعاصر للكلمة.و يبرهن هذا على أن اللغة الواحدة لم و لن تكون ركيزة أساسية ،بشهادة التاريخ ،من أجل تحقيق الوحدة السياسية و الانسجام الاجتماعي.
2-الدين الواحد هل يحقق الوحدة السياسية؟
عندما تحرم الأغلبية من حقوقها الثقافية و اللغوية التي تعتبر في القرن الواحد و العشرين حقوقا بسيطة في جميع البلدان الديمقراطية ،فان الاحتجاجات ما تفتأ أن تظهر على أرض الواقع رغم أن الدين واحد في نفس البلد. فإذا ما تمعنا انظر في حالة المغرب ،هل يمكن أن نقول أن الرابطة الدينية هي أساس الوحدة بين المغاربة؟
يزعم المخزن المغربي أن الوحدة السياسية تتركز على الوحدة الدينية، و ذلك بالقول أن "الإسلام هو ما يجمعنا" ،و هذا ليس إلا واحدا من الشعارات المرفوعة لتبرير إصرار المخزن على استعمال الدين الإسلامي في المجال السياسي و الحفاظ على أسسه التقليدية و عرقلة السير المطلوب نحو الدمقرطة. و الحقيقة أنه ليس هناك ما هو أكتر خطأ من هذا الزعم الذي لا يصدقه إلا الذين لهم مآرب في استعمال الدين في المجال السياسي ،و التغطية على التناقضات الحقيقية و هضم حقوق الغير و الحفاظ على وضعية يطبعها غياب العدل و المساواة.
لقد بني هذا الزعم الكاذب ،كما يؤكد ذلك الأستاذ "أحمد عصيد" ،على "تأويل سياسي للتاريخ، قامت بموجبه الايدولوجيا الرسمية بناء على الفكر الانتقائي للحركة الوطنية بإخفاء الوقائع التي تدل على أن الصراع بين القبائل المغربية و المخزن المركزي لم تتوقف قط منذ بداية المرحلة الإسلامية من تاريخ المغرب، و أن المعارك الطاحنة و الصراعات الداخلية و العنف الدموي هو ما ميز العلاقات بين القبائل فيما بينها و كذا في علاقتها بالمخزن الذي قد تتقلص سلطته في بعض الأحيان لتشمل العاصمة و ما جاورها و لا غير، و ذلك بسبب الظلم و طغيان الحكام و فسادهم و استبدادهم بالناس. فكون الأمازيغ مسلمين لم يمنع قط من اقتتالهم و تفرقهم عبر التاريخ الطويل.المرابطيون و الموحدون كانوا مسلمين و دولهم كانت تيوقراطية ، لكن إسلامهم هذا لم يمنع من نشوب صراعات و حروب بينهما حول الحكم و خصوصا على المستوى الجغرافي ،مما يكذب الزعم بأن الإسلام كان عامل التوحيد الذي يجمع دائما بين المغاربة، و من ناحية العلاقة مع الأخر المسلم، فقد ظل العثمانيون على البوابة الشرقية يحاولون اقتحام المغرب لقرون طويلة، و كانوا مسلمين بل يمثلون الخلافة الإسلامية الجامعة للأمة، و كان المغاربة –على حد تعبير أحمد عصيد- يحاربونهم رغم وحدة الدين، و كان العامل الكامن وراء هذه المقاومة هو عامل الانتماء إلى الوطنية المغربية التي تتحدد قبل كل شيء بالأرض و ليس بالعقيدة أو اللون أو العرق.
بالإضافة إلى هذا لا ينبغي أن ننسى بأن العنصر اليهودي الذي هو أحد مكونات التركيبة السكانية للمغرب منذ 2500 سنة، كان عنصرا منسجما مع باقي المكونات رغم اختلاف الدين، كان اليهود يقومون بتمويل "الجهاد" ضد الأجانب من البرتغال و الأسبان، و كان الدافع إلى ذلك العامل الوطني و حماية بلادهم و ليس الدين الإسلامي.
إن أساس الوحدة الوطنية بين المغاربة هو انتمائهم إلى الأرض المغربية و إلى الشعور المشترك بالوطن، ف "الدين لله و الوطن للجميع"، و إن اختلفوا في الأديان و الأعراق و الألوان و اللغات، و لن يحافظوا على وحدتهم أبدا باستعمال دين أو عرق أو لغة، و إنما تتقوى الوحدة السياسية و التماسك الاجتماعي بالعدل و المساواة، فهما رمز الاستقرار و ليس أي دين من الأديان، و هذا ما لمسه العالم الأمازيغي "الحسن اليوسي" قبل ثلاثة قرون عندما كتب "إن العدل يدوم به الملك و لو مع الكفر".
بالإضافة إلى ما سبق، نجد اسبانيا كذلك مثالا، فبالرغم من أن الديمقراطية السياسية في اسبانيا لها تاريخ لا بأس به، و أن الدين واحد، إلا أن العائق اللغوي و انعدام الديمقراطية الثقافية ،الشيء الذي يحرم "الباسك" من استعمال لغتهم الأصلية في كثير من المجالات الاجتماعية و السياسية الوطنية –ذلك قبل إقرار النظام الاسباني الحكم الذاتي لمنطقة الباسك- فانه أذى إلى احتجاج عارم لا زالت اسبانيا تعاني من عواقبه السياسية.
فادين الواحد نفسه يمكن أن يكون موضع خلاف و تناحر و اقتتال كما وقع ذلك خلال القرن الأول الهجري بين المسلمين بالرغم من أن اللغة واحدة و وقع ذلك بين المسيحيين أيضا، إذ كان هناك من يدعو إلى ربوبية عيسى و كان من ينفي عنه تلك الصفة. و الدليل الأخر على ذلك هو الاقتتال الذي وقع بين مسلمي أفغانستان خلال السنوات الماضية حيت لم يكف الوازع الديني في إبعاد إراقة الدماء في البلد الواحد.
3- دور التعدد و الاختلاف و العلمانية في مجال التطور الاجتماعي
التعدد و الاختلاف في نطاق الحرية و الاحترام المتبادل هو أساس الحياة و العامل الأساسي للتقدم و التطور و الازدهار في كل المجالات بصفة عامة، سواء كانت هذه الحياة بيولوجية أو ثقافية أو لغوية أو فكرية أو سياسية أو غيرها، إذ لا ينتج التقدم و التطور و النماء إلا بالاحتكاك و المقابلة و المنافسة. إن الانزواء و التقوقع على النفس دينيا أو لغويا أو ثقافيا أو فكريا أو حضاريا أو سياسيا بدعوى تحقيق الوحدة و الانسجام المطلوب، بصفة عامة، إذ يحرم ذلك جزءا هاما من المواطنين من المساهمة المباشرة في التقدم الاجتماعي و الاقتصادي و الفكري تم الحضاري، نظرا لأن الوقت الكافي لاستيعاب كثير من المعطيات اللغوية و الثقافية لا يمكن أن يتأتى لجميع أفراد المجتمع تحقيقه على أرض الواقع. فبدلا من تضييع الوقت في تبديل هوية لغوية و ثقافية بأخرى يتم العمل و الإنتاج الفكري و الاقتصادي بلغة الأم التي هي اللغة الوحيدة الضامنة للانسجام النفسي و السيكولوجي و الهوياتي للفرد داخل المجتمع –كما يقول السوسيولوجي الفرنسي "ايميل دوركايم" في نفس السياق "لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور إلا بلغته الأم"- دون أن يؤدي به ذلك إلى حرمانه من تعلم اللغات و الثقافات الأخرى إذا تأتى له ذلك و لديه الوقت و القدرات الفكرية الكافية لتحقيقه.
غير أن مزايا التعدد لا يمكن أن يفهمها من لا يعرف التعدد في الواقع، في حياته الشخصية أو الاجتماعية و في بلده، الشيء الذي يدفعه بصفة عامة إلى البحت عن كل ما من شأنه أن يوقف سير المجتمع في الاتجاه الذي لا ينسجم مع تصوره الشخصي لهذا المجتمع.فالقوميون المعربون في المغرب مثلا لا يمكنهم أن يتقبلوا بسهولة التعدد اللغوي و الثقافي الذي يفرضه الواقع الاجتماعي و اللغوي بالمغرب لأن ذلك يشوش على واحديتهم و تقوقعهم على نفوسهم، و هذا التقوقع على النفس يعتبرونه الضامن الواحد لمصالح المجتمع و العامل الأساسي لتحقيق الوحدة اللغوية و الثقافة الرامية إلى تحقيق الوحدة السياسية حسب تصورهم "الوحدوي" للسياسة و للمجتمع.
إرسال تعليق